کد مطلب:335762 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:235

و عاودتنی دوامة التساؤل
بعد أن ودعت الشیخ الهویدی وخرجت من مقام السیدة زینب (رض) وأنا

فی الطریق أسمع سائق (السرفیس) یصیح بصوت عال (رقیة رقیة).. فلفت نظری تساؤل هل هناك منطقة فی دمشق اسمها (رقیة) فدفعنی الفضول لأسأله أین تقع هذه المنطقة؟ فسألته.. فقال لی: من أین أنت؟ فأجبته من القامشلی.. فقال أوه!! فی آخر سوریا.. قال لی یا أخی الإیرانیون واللبنانیون والخلیجیون یقدسون هذه المقامات فأنا أصیح حتی أشتغل. وهذا موسمهم.. لأنه كل صیفیة یأتون إلی هنا لزیارة هذه المقامات، وفعلا عزمت علی الذهاب مع السائق لأری هذه المنطقة التی أجهلها، ومشت السیارة، وأنا أتساءل لأول وهلة أسمع هذا النداء وأسمع بهذه المنطقة، فوصلت، إلی هذا المقام الشریف ولم أستطع الدخول من شدة الزحمة أمة من البشر!! الله أكبر! ما هذه الزحمة؟



[ صفحه 55]



من أین أتت كل هذه الجموع الغفیرة؟ وبعد انتظار ساعة من الوقت. استطعت الدخول ورأیت الناس یلطمون علی صدورهم ویصیحون یا حسین.. یا حسین. یا رقیة یا رقیة.. الظلیمة.. الظلیمة.. فدخلت إلی داخل المقام ووصلت إلی الضریح وقرأت الفاتحة وصلیت قربة إلی الله ركعتین زیارة لهذه السیدة دون أن أعرفها بنت من؟ لكن عندما رأیت الناس تدخل وتزور وتقبل هذا الضریح. فعلت مثلهم فعرفت أن هنا مقاما لسیدة فاضلة.. فاقتربت من أحد الشباب الذین یلطمون علی رؤوسهم وصدورهم.. حیث یضع شریطا أسود مربوطا برأسه وعلی جبینه مكتوب (یا حسین).. فقلت له إذا سمحت.. السیدة رقیة بنت من؟ فضحك هذا الشاب من سؤالی واستغرب!! وقال لی من أین أنت؟ فأجبته من القامشلی... فقال لی: أین تقع مدینة القامشلی؟ فقلت له تبعد من هنا ما یقارب 1000 كم.. وقال أنت من سوریا ولا تعرف هذا المقام لمن..؟ فقال لی: أنت سنی؟ فأجبته نعم. فقال لی: حقك لا تعلم؟ هذه السیدة رقیة بنت الإمام الحسین علیه السلام عندما جاءوا بأهل البیت سبایا من العراق إلی الشام والحسین رأسه محمول علی الرمح.. من هناك إلی هنا وعندما وصلوا إلی الجامع الأموی. وضعوا رأس الحسین علیه السلام فی المسجد أمام اللعین یزید وبدأ یزید یرغی ویزبد ویصیح أتینا برأس زعیم الخوارج الحسین بن علی بن أبی طالب. فقاطعته الحدیث. الحسین سید شباب أهل الجنة یحملون رأسه علی الرمح؟ ویأتون به إلی الشام، ماذا تقول یا أخی؟ ألیس الشیعة هم الذین قتلوه وهم الآن یبكون ویندبون ویلطمون ندما وحزنا



[ صفحه 56]



لأنهم هم الذین قتلوه؟ قاطعنی الشاب بحماس، وقال لی: أنت متعلم؟ فقلت له نعم.. وأنهیت الدراسة الجامعیة، لكن والله العظیم لم أسمع بهذه الأحداث.. لأن هذه القضایا لیست من اختصاصی.. فالصدفة أتت بی إلی هنا.. فقال لی یا أخی أعذرك كل العذر لأن الإنسان عدو ما یجهل وأنا لم أفرض علیك اعتقاداتی وقناعاتی.. ولكن أنت ابحث بنفسك عن هذه الحقائق. وقال لی إذا أردت أن تزور رأس الحسین مقامه فی الجامع الأموی.. وشط بنا الحدیث. وتفرع.. ورجعنا فی الحدیث عن السیدة رقیة.. فقال لی هذه السیدة بنت الإمام الحسین علیه السلام وعندما توفیت كان عمرها ثلاث سنوات تقریبا.. (أهل البیت علیهم السلام عندما جاءوا بهم إلی الشام كانت هذه الطفلة مع عمتها زینب علیها السلام أتعرف مقام السیدة زینب علیها السلام أخت الإمام الحسین؟ فأجبته: نعم. الآن جئت من هناك.. فقال: عندما وضعوا رأس الحسین فی طشت كانت هذه الطفلة تصیح وتبكی.. طفلة تبكی ترید أباها.. فقال یزید اللعین خذوا هذا الرأس وضعوه أمام الطفلة لكی تری أباها فعندما شاهدت الطفلة رأس والدها انكبت علی وجهها، فلم تطق الطفلة ذلك الموقف إلی أن فارقت الحیاة فوق رأس والدها، ماذا تحكی یا أخی؟.. ماذا تقول؟ هل هذا صحیح..؟ فضیعنی كلام هذا الشاب الشیعی. وسألت آخر وآخر.. وكنت فی كل مرة أحصل علی نفس الجواب. فرجعت مرة أخری إلی القفص.. ففاضت دموعی بالبكاء.. وصرت أصیح وأسأل.. بنت الحسین سید شباب أهل الجنة.. هكذا قتلت؟ هكذا ماتت؟ فصرت أردد بدون شعور كما تردد الشیعة: الظلیمة.. الظلیمة.. یا رقیة.. یا رقیة.. ثم بعد هذا ودعتها متجها إلی الجامع



[ صفحه 57]



الأموی.. وشاهدت الحشود والجموع تتجه باتجاه الشرق وتصیح وتلطم.. یا حسین یا حسین.. لعن الله من ظلمك.. لعن الله من قتلك.. لعن الله یزید.. فوصلت إلی الباب ودخلت بقوة من شدة الازدحام.. حیث وصلت إلی مكان رأس الحسین.. فقبلته. وانهارت دموعی بالبكاء.. فصرت أحدث نفسی ما الذی حصل.؟ ما الأمر.؟ ما القضیة.؟ ما الذی حدث؟ هذا الأخ الشیعی. یقول لی: یزید الذی قتل الحسین؟ ولیس الشیعة كما یقول أحد علماءنا فی المنطقة الشرقیة!! فعاودنی الصراع السابق الذی عشته.. ورجعت إلی دوامة التساؤل والحیرة. هل الشیعة بریئون من دم الحسین؟ هل صحیح أن الشیعة لم یقتلوا الحسین؟ فإذن لماذا یلطمون ویبكون ویصیحون یا حسین یا حسین؟ وصرت أفكر بكلام الشیخ عندنا عندما كان یحذرنا من الجلوس مع الشیعة، وعدم محاورة الشیعة، والشیعة هم الذین قتلوا الحسین فخرجت من مقام رأس الحسین علیه السلام لزیارة النبی یحیی بن زكریا فی قلب الجامع الأموی. وعندما وصلت الضریح قبلته وصلیت ركعتین. ولم أستطع أن أكمل من شدة الصیاح واللطم والبكاء فحاولت مرة ثانیة إعادة صلاتی.. وأنهیتها بعد الجهد.. وشاهدت بعد الصلاة شیخا یبدو أنه عراقی من خلال اللهجة؟ والبحة؟ یصیح ویخطب بالناس یا موالین یا شیعة الیوم قتل إمامكم.. الیوم.. الظلیمة الظلیمة.. بقی الحسین ثلاث ساعات ملقیا علی وجه الأرض، قد صنع وسادة من الرمل، فظن بعض العسكر أن الحسین قد صنع لهم مكیدة، فقالوا: إن الحسین لا یمكنه فعل شئ، وقال بعضهم إنه مثخن بالجراح، ولا یقوی علی القیام، وقال بعضهم، إن الرجل غیور إذا أردتم أن تعرفوا حاله فاهجموا علی



[ صفحه 58]



المخیم. فهجموا علی المخیم وروعوا النساء والأطفال فخرجت الحوراء زینب ووقفت علی التل، ثم نادت بصوت حزین یقرح القلوب: یا ابن أمی یا حسین، یا حبیبی یا حسین، إن كنت حیا فأدركنا، فهذه الخیل قد هجمت علینا، وإن كنت میتا فأمرنا وأمرك إلی الله. فلما سمع الحسین صوت أخته، قام ووقع علی وجهه، ثم قام ووقع علی وجهه ثانیة، ثم قام ثالثة ووقع علی وجهه عند ذلك صاح: یا شیعة آل أبی سفیان إن لم یكن لكم دین وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا فی دنیاكم، وارجعوا إلی أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون. فنادی الشمر: ما تقول یا ابن فاطمة؟ قال أنا الذی أقاتلكم والنساء لیس علیهن جناح فامنعوا عتاتكم وأشراركم عن التعرض لحرمی ما دمت حیا. قال الشمر: إلیكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه، فانكفأت الخیل والرجال علی أبی عبد الله الحسین علیه السلام،.. وانتهی الشیخ من كلامه وبدأ یخطب.. ویتكلم والناس تضج وتبكی.. وهو یقول: وهم فی طریقهم إلی الشام: نزلوا منزلا فیه دیر راهب فرفعوا الرأس علی قناة طویلة (رأس الحسین) إلی جانب دیر الراهب. فلما عسعس اللیل سمع الراهب للرأس دویا كدوی النحل، وتسبیحا وتقدیسا. فنظر إلی الرأس، وإذا هو یسطع نورا قد لحق النور بعنان السماء، ونظر إلی باب قد فتح من السماء والملائكة ینزلون كتائب كتائب ویقولون: (السلام علیك یا أبا عبد الله، السلام علیك یا ابن رسول الله). فجزع الراهب جزعا شدیدا وقال للعسكر: وما الذی معكم؟ فقالوا:



[ صفحه 59]



رأس خارجی خرج بأرض العراق فقتله عبید الله بن زیاد. فقال: ما اسمه؟ قالوا: اسمه الحسین بن علی. فقال: الراهب: ابن فاطمة بنت نبیكم وابن عم نبیكم؟ قالوا: نعم. قال: تبا لكم!! والله لو كان لعیسی بن مریم ابن لحملناه علی أحداقنا وأنتم قتلتم ابن بنت نبیكم، ثم قال: صدقت الأخبار فی قولها: إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دما عبیطا. ولا یكون هذا إلا فی قتل نبی أو وصی نبی، ثم قال لی إلیكم حاجة. قالوا: وما هی؟ قال: قولوا لرئیسكم عندی عشرة آلاف درهم ورثتها عن آبائی یأخذها منی ویعطینی الرأس یكون عندی إلی وقت الرحیل، فإذا حل رددته إلیه؟ فوافق عمر بن سعد، فأخذ الرأس وأعطاهم الدراهم، وأخذ الرأس فغسله، ونظفه وطیبه بمسك ثم جعله فی حریرة ووضعه فی حجره، ولم یزل ینوح ویبكی وهو یقول: أیها الرأس المبارك كلمنی بحق الله علیك.. فتكلم الرأس وقال: ما ترید منی؟ قال: من أنت؟ قال: (أنا ابن محمد المصطفی، أنا ابن علی المرتضی، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا المقتول بكربلاء، أنا الغریب العطشان بین الملا). فبكی الراهب بكاء شدیدا وقال: سیدی یعز والله أن أكون أول قتیل بین یدیك، فلم یزل یبكی حتی نادوه وطلبوا منه الرأس فقال: یا رأس والله لا أملك إلا نفسی فإذا كان غدا فاشهد لی عند جدك محمد أنی (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أسلمت علی یدك وأنا مولاك).. فبدأ یصیح الشیخ



[ صفحه 60]



بصوت حزین یقرح القلوب مسیحی أسلم. مسیحی آوی رأس إمامكم. وأنتم تدعون أنكم من الإسلام!! فأخذنی البكاء الشدید.. وصرت أكفكف بدموعی وأنظر من حولی لئلا یرانی أحد وأنا مكابر.. وأسأل.. رأس ابن بنت النبی یحمل علی الرمح یمثل به؟ من بلد إلی بلد؟ ویزید یدعی الإسلام!! مسیحی راهب آمن من وراء معجزة رأس الحسین وأنا مكابر؟ یا إلهی!! السماء تمطر دما؟ ورأس الحسین یطاف به من بلد إلی بلد، فتذكرت حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله (لا تمثلوا ولو بكلب عقور) فأین هذه الأمة من الإسلام؟ فصرت ألعن یزید ومن عین یزید. فصرت أسأل من الذی عین یزید (معاویة. من الذی عین معاویة؟ تساؤلات لا تنتهی.. أثرت فی نفسی قصة الراهب.. ودخوله الإسلام.. أثرت فی نفسی الجموع الغفیرة وهی تبكی وتلطم.. یا إلهی؟ ما الخطب؟ ما الأمر؟ ما الذی جری علی الأمة؟ فخرجت.. من المسجد ودوامة الصراع لا تتركنی.. أین شیخنا فی القریة الذی یحذرنی من هؤلاء الشیعة؟ ویقول لی: (هم الذین قتلوا الحسین). ما هذه المأساة التی حلت بالأمة؟ ما هذه الظلیمة؟ فخرجت من الجامع الأموی متجها باتجاه منطقة السیدة زینب (رض) وفی الطریق أفكر.. هل كلام الشیخ عندنا صحیح.؟ أم كلام هذا الشاب الشیعی.؟ الراهب یدخل إلی الإسلام؟ ویبكی وینوح؟ ویقول اشهد لی یا رأس أسلمت علی یدك).. اشهد لی عند جدك محمد.. كلما أهدأ. وأتخلص من دوامة بعض التساؤلات تأتینی عاصفة جدیدة. من التساؤلات. یا إلهی!! لماذا لا أعلم كل هذه الأمور.؟ یا إلهی متی أتخلص من هذه الدوامة التی حیرتنی.؟ فدفعتنی هذه الكارثة التی



[ صفحه 61]



حلت بالأمة إلی أن أشد الهمة من جدید دون كلل أو ملل.. بحثا عن الحقیقة. لمعرفة كلام الشاب الشیعی هل هو صحیح أم كلام شیخ البلد.؟ فصعدت فی (السرفیس) متجها إلی منطقة السیدة زینب (رض) (والأفكار والتساؤلات تعصف بی كالموج.. مرة أهدأ ومرة أثور. مرة أهدأ.. أقول كلام الشیخ عندنا هو الصحیح! ومرة أثور. عندما أتذكر قضیة الراهب.. وقضیة الرأس!! وقضیة یزید!! وماذا فعل بالأمة؟ حتی أخذتنی الأفكار ونسیت أن أنزل فی منطقة السیدة زینب فتجاوزتها ووصلت إلی منطقة الذیابیة. فهدأت من التفكیر.. وإذا بالسائق یصیح ذیابیة ذیابیة من هو نازل؟ فقلت له علی مهلك أنزلنی فنزلت وعدت مرة أخری إلی منطقة السیدة زینب (رض) أسأل عن الحوزة العلمیة الزینبیة وأخیرا وصلت إلی الحوزة فصعدت أسأل عن الشیخ جلال المعاش فقال لی شاب بعد صلاة المغرب یأتی. ورجعت بعد صلاة المغرب وصعدت أسأل عن الشیخ فوجدت مكتبة فی الطابق الأول فقرعت الباب. وسألت عن الشیخ فقال لی شاب تفضل إجلس الآن یأتی الشیخ. وهذه غرفته (بجوار المكتبة). فجلست. وأنا فی دوامة.. أخمد وأثور.. وإذا بشاب یفاجئنی.. بقوله: هذا هو الشیخ جلال الذی تبحث عنه فصافحت الشیخ بحرارة وشرحت له موقفی.. ومن أرسلنی إلیه فحیانی ورحب بی ذلك الترحاب الشدید وأدخلنی إلی غرفته ومن ثم أدخلنی إلی المكتبة. فصرت أحادث نفسی وكأنه عرف مشكلتی.. الحمد لله.. فدخلت معه إلی المكتبة وبدأ یجولنی فی المكتبة وأنا أنظر إلی أسماء الكتب فشاهدت مباشرة



[ صفحه 62]



صحیح البخاری فقرأت الطبعة وإلا نفس الطبعة الموجودة عند شیخنا فی البلد.. صحیح مسلم - الترمذی - صحیح النسائی - كتب السنن والسیرة كلها.. تفسیر ابن كثیر، تفسیر الجلالین.. تفسیر القرطبی.. تفسیر الفخر الرازی.. یا إلهی هذه مكتبة سنیة ولیست شیعیة؟ كل كتب السنة موجودة بالإضافة إلی كتب الشیعة!! یا إلهی ما هذه الحواجز؟ ما هذه الإشاعات.؟ هل علماؤنا یعمدون التجهیل بنا.؟ هل علماؤنا مضللون.؟ هل علماؤنا لا یعرفون الحقیقة.؟ یا إلهی!؟ كیف كان یقول لی أحد علماؤنا كتبهم محرفة ومزورة ومدسوسة؟ ومن هنا كانت انطلاقة البحث والثورة فی عالم العقائد والإلهیات والانفتاح علی القراءة ومتابعة البحث دون تردد. فودعت الشیخ وشكرته، علی ما أطلعنی علیه فی هذه المكتبة من كتب، وقلت له أرید منك عنوان العالم العراقی الذی كان سنیا وتشیع. حتی ألتقی به فأعطانی العنوان وخرجت.



[ صفحه 65]